يُعَدّ المسيح الذي يعانق الصليب ل "إل بونيلّو" أحد أبرز الأعمال لهذا الفنان اللامع والمتديّن للغاية. فيها نرى المسيح واقفًا، بنظرة مملوءة اتساعًا ووداعة، مع ضربات ريشة بيضاء في قزحية العين تجعل عيني المسيح تبدوان زجاجيتين وكأنّهما مبلّلتين بالدموع. رأسه متوج بالأشواك المؤلمة، وجهه نحيل وملتحي، ورقبته طويلة، يبرز على خلفية سماء متألّمة، وجسده يرتدي، كما هو الحال دائما، رداءً أحمر وعباءة زرقاء، وفقا للتّقليد الذي تعلّمه الفنان في جزيرة كريت، دارسًا الأيقونات البيزنطية. يبدو الصليب وكأنّه عديم الوزن، في حين أن الأيدي الجميلة التي تحمله لها أصابع أثيرية تقريبًا، مصممة بعناية، مع ربط الأصابع الوسطى والبنصر كما لو كانت تشير بأناقة إلى اتحاد الطبيعة البشرية والإلهية في شخص يسوع المسيح.
إنَّ العمل الذي أمام أعيننا يُلفت نظرنا نحو مطلقية شخصية الفادي، الذي يصوره الفنان متجاهلاً المعطيات التاريخية والنص الإنجيلي، في عزلة تامة، دون حشود أو حراس أو فضوليين أو نساء يتبعنه، كما نرى عادة في الصّور المخصّصة لصعود المسيح نحو الجلجلة. هنا يتركز كل الاهتمام على الحوار الداخلي بين الابن والآب. إنه استئناف واستكمال الحوار الذي حرَّكَ الصلاة المؤلمة أثناء الليل في عذاب الجسمانية، في الجهاد بين الطلب بعدم اضطرار المواجهة بين تجربة الرفض والموت المؤلمة والاستعداد الشجاع والواثق للقيام بذلك، إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى خلاصنا. لتكن مشيئتك: لم يعلّمها يسوع بالقول في صلاة الأبانا فحسب، بل عاشها هو أولاً، في كل لحظة، وبشكل أعمق في اللحظة الأكثر تحديًا وتطلبًا في حياته. بالضبط، هذه هي الطريقة التي يتمّ بها عمل الخلاص: محبة الله تغيّر كل شيء. هذا التحوّل الذي بدأ خلال العشاء الأخير للرب، آخذًا الخبز والخمر ومحوّلاً إيّاهما إلى جسد ودم يسوع المُقَدَّم بدافع المحبة، جاعلاً العهد الجديد والأبدي ممكنًا، وصل إلى لحظته الأكثر عجبًا، محوّلاً الصليب، من مشنقة رهيبة اخترعتها قسوة البشر، وفُرضت كعقوبة سخيفة على المسيح البريء، إلى مكان لفداء وخلاص الإنسانية من عماها المذنب، من آلامها التي لا يمكن تفسيرها، من خبرة الموت كفشل وسقوط في الفراغ. في لوحة المسيح المُعانق الصليب لإل غريكو، وخاصة في نظرة المسيح التي تشرق بنور مدهش وهادئ، نرى بالفعل التحول الذي حدث: في اللحظة التي كان يمكن فيها للناصري أن يُظهِرَ فيها خيبة الأمل والاستياء أو اليأس والإحباط، نرى اليقين بأن محبة الآب هي دائمًا مع الابن، حتى في لحظة التضحية، تلك المحبة هي أقوى من الموت ويمكن أن تخلّص منه؛ يغمر النور قلب يسوع، في وقت كل شيء حوله مظلمًا وظاهريًا بدون أمل.